بعد رمضان.. “عُيون المغاربة على الحَوْلي”

محمد منفلوطي_ماروك 4

مصاريف مدرسية، ومناسبات دينية، بدءا من رمضان الكريم ومرورا بعيد الفطر السعيد، ووصولا إلى عيد الأضحى المبارك، كلها مناسبات دينية يجد فيها المغاربة ضالتهم عبادة وانفاقا واسرافا أحيانا، ومع تواليها وتسلسلها وتزامنها وموجة الغلاء، تٌطوَّق رقاب العباد، لكن وفي مقابل ذلك، لا يذخر المغاربة جهدا في مواجهة ذلك ولو على حساب ميزانياتهم المتهالكة لاسيما لدى الطبقة الفقيرة البسيطة المتوسطة ذات الدخل المحدود.

فكما يقول المثل المغربي ” قْرون الحولي كتبان مع آخر زلافة ديال لحريرة”، بمعنى أن المغاربة وبمجرد ما ينتهي شهر رمضان لديهم، حتى تتجه أنظارهم صوب” حولي العيد”، حينها يتسلل الحديث عن ” الحولي” رويدا رويدا إلى المجالس ليسبح بأصحابه على مراكب الأمل والبحث عن ” مرقد الحولي الزين بعيدا عن العلف المغشوش”، احياء لسنة نبيهم الكريم من جهة، واغناء لسؤال أطفالهم الصغار ” بابا امتى غادي تشري لينا الحولي….”

** واش كين العيد هذا العام؟

سؤال يطرح نفسه، لاسيما مع توالي سنوات الجفاف وارتفاع تكاليف الأعلاف، وانعكاسات ذلك على قطيع الماشية، الأمر الذي خلق نوعا من الترقب والتساؤل لدى كثيرين ” واش كين العيد هذا العام”، مع العلم أن معظم الكسابة والفلاحين يعولون على هذه المناسبة ويرون فيها فرصة لتعويض مافات من مصاريف وتكاليف وجفاف، يرون في عيد الأضحى المُنجي والمُخلص من شبح الافلاس…

“عبد الاله” وهو جزار بمنطقة أولاد سعيد في دردشة مع ماروك 4، قال: ” الثمن هذا العام أخويا طالع بزاف بزاف، مْضَوبل على جوج مقارنة مع العام الماضي، واش خروف صغير داير 60.000 ريال، دابا هذا العام الثمن غالبا يبدأ من 5000 درهم والفوق”.

وحول أسعار اللحوم الحمراء، أكد المتحدث أنها عرفت بدورها ارتفاعا ملحوظا، داخل المدن والحواضر، لكن أسعارها بالأسواق الأسبوعية أخف مقارنة بسابقتها، خاصة لحوم الأغنام، قائلا: ” راها اللحم الغنمي أصبح طايح على الجزار ب 120 درهم للكيلو، إوا بشحال غادي يبيعو هو في المحل ديالو…”، الله يدير شي تاويل ديال الخير وصافي”..

فلاحون آخرون ممن يرون في العيد فرصة مواتية تقيهم تداعيات الجفاف ولو شيئا يسيرا، لم يخوفوا قلقهم من احتمال اقدام السلطات العامة على اصدار قرار يقضي بتعليق ” عيد الأضحى”، وهو تخوف معقول يجب التعامل والتفاعل معه بايجابية، لاسيما وأن العديد من الكسابة والفلاحين استثمروا في رؤوس الأغنام والأبقار استعدادا لعيد الأضحى لاسيما مع توالي سنوات الجفاف وضعف المحاصيل الزراعية.

ومن الكسابة الآخرين من باتوا يعانون الويلات يوميا مع ظاهرة عصاباا الفراقشية ” بارْدِين الكتاف”، ممن يقتاتون من عرق جبين الآخرين، يُهاجمون الضيعات ليلا ويسطون على ممتلكات العباد دون استحياء على الرغم من التدخلات الأمنية لعناصر الدرك الملكي التي شلت تحركات الكثير من أفراد هذه العصابات.

بين هذا وذاك، تقف أسر فقيرة وأخرى بالكاد تسد تكاليف معيشتها اليومية، ( تقف) بين مفترق طرق، تتحسس جيوبها الفارغة وقلوبها ترتجف خوفا من سيف المساءلة الذي يشهره أطفالها وحتى نسائها على رقابهم، وهم الذين يرون في اقتناء كبش العيد أمرا لا محيد عنه.

** عيد بنسمة معطرة من الغلاء

لا يختلف اثنان عن كون عيد الأضحى لهذا العام إن شاء الله، يأتي في ظروف صعبة استثنائية بفعل تداعيات سنوات الجفاف وما تحمله معها من نسمة معطرة من الغلاء والزيادة المهولة في المصاريف، والتي من المنتظر أن تبلغ ذروتها مع تناسل “الشناقة” الذين يتاجرون في رقاب العباد ويمتصون دماءهم دون شفقة، وبين جشع بعض مالكي الدكاكين والمتاجر الكبرى من محتكري السلع بمنطق المضاربات…هؤلاء لم يجدوا أمامهم سوى جيوب هؤلاء البسطاء لاستنزافها في ضرب صارخ لقيم الإنسانية في ظل الغلاء المتزايد و المستمر لأسعار المواد الاستهلاكية والمواد الأساسية وتوالي المناسبات، التي تتطلب ميزانيات استثنائية، بدءا بعيد الأضحى وغلاء الأعلاف، ومرورا بالعطلة الصيفية، وانتهاء بالموسم الدراسي المقبل، خصوصًا لدى الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، والتي تمثل الأغلبية الساحقة من الشعب المغربي، التي تلجأ غالبيها العظمى إلى الاقتراض من أجل سد العجز في الميزانية المتهالكة أصلا، وهي الوضعية التي تساهم في زيادة أرباح شركات القروض، تماشيا مع مقولة (مصائب قوم عند قوم فوائد)…

** المغاربة والتكافل الاجتماعي

لاينكر ذلك إلا جاحد أو متعنت جاهل، أن التكافل الاجتماعي هو صمام الأمان الذي يشد بُنيان الأسر المغربية ويقوي تماسكها لاسيما الطبقة المتوسطة.. فلا تخلو أسرة من الأسر، من مُعيل رسمي يَحمل أثقال الانفاق، مساهمة مالية منه ومعنوية، ومن أشكال ذلك التضامن ظاهرة ” ترك الملابس المستعملة للأخ الأصغر أو ابن العم”، وهي سنن محمودة لها ما لها من قيم اخلاقية ببعد تضامني، تزرع في نفوس الناشئة بذور التعاون والتآخي والتواضع وصلة الرحم، وهي أصل الملحمة التضامنية التي أبان عنها المغاربة في زمن الأزمات…

ونحن نعيش على وقع الغلاء والظروف الصعبة، تعالوا نقف وقفة تأمل لاتخاذ القرار الصائب، لنواصل ملحمة التضامن والتكافل الاجتماعي التي كانت ولازالت من شيم المغاربة، تعالوا نقف وقفة مع الذات، لنغير من بعض سلوكياتنا في تعاطينا مع الأسواق بمنطق الجشع، حتى لانُساهم في الرفع من منسوب الغلاء، وأن لا نمنح الفرصة لبعض تجار الأزمات من التجار المحتكرين للإطاحة بجيوب المواطنين “المنهوكة” أصلا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى